إن الإنسان الفيلسوف هو الذي يكتشف بنور عقله ومشعل فكره نظام الكون البديع، من مبدئه إلى منتهاه. والإنسان الفنان هو الذي يصوغ بخياله الخلَّاق أجزاء هذا العالم من جديد، وينظم فسيفساءه ودرره المنثورة بما يحاكي هذا النظام البديع، في لوحة فنية جميلة. فالفيلسوف يجول بعقله في عالم المعاني والحقائق، والفنان يطوف بخياله في عالم المادة والرقائق. الفيلسوف يفكر والفنان يشعر. الفيلسوف ينطلق من عالم الحس والخيال، ليرقى إلى عالم العقل والفكر، والفنان الحقيقي ينطلق من عالم العقل والفكر إلى أحضان عالم الحس والخيال. الفيلسوف يُجرِّد المعاني العقلية الكلية من مظاهرها المادية، والفنان يُجسِّم المعاني الكلية في لوحة خيالية حسية تحاكي نظام الفيلسوف الوجودي. فهناك في الواقع علاقة تكاملية طبيعية وواقعية بين الفيلسوف والفنان، إذ الفيلسوف هو الذي يغذي الفنان بالمعاني الواقعية والقيم الإنسانية، والفنان هو الذي يقوم بتجسيدها في عالم الطبيعة، فالفيلسوف هو أصل هذه الشجرة الطيبة، والفنان فرعها، ولو بقي الفرع متصلا بالأصل أثمر وأينع، وإن انفصل عنه أصابه الذبول، وأصبح الأصل عقيما.